قصة فتاً آمن، فصبر وثبت، فآمنت معه قريته
ورد ذكر القصة في سورة البروج الآيات 4-9، وتفصيلها
في صحيح الإمام مسلم.
قال الله
تعالى (( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا
أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ ))
لقد كان غلاما نبيها، ولم يكن قد آمن بعد, وكان
يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية.
وكان للملك ساحر يستعين به, وعندما تقدّم العمر بالساحر، طلب من الملك أن
يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته. فاختير هذا الغلام وأُرسل
للساحر.
فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه، وفي طريقه
كان يمرّ على راهب, فجلس معه مرة وأعجبه كلامه, فصار يجلس مع الراهب في كل مرة
يتوجه فيها إلى الساحر, وكان الساحر يضربه إن لم يحضر,فشكى ذلك للراهب فقال له
الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.
وكان
في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس. فقال الغلام في نفسه،
اليوم أعلم أيهم أفضل، الساحر أم الراهب. ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر
الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. ثم رمى الحيوان
فقلته، ومضى الناس في طريقهم. فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث. فقال له
الراهب: يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.
وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص
ويعالج الناس من جميع الأمراض فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره فجمع
هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني فأجاب
الغلام: أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك.
فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.
فذهب جليس الملجس، وقعد بجوار الملك كما كان
يقعد قبل أن يفقد بصره. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب الجليس بثقة
المؤمن: ربّي فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك
الله فثار الملك، وأمر بتعذيبه. فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام.
أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا
بني، لقد بلغت من السحر
مبلغا عظيما حتي أصبحت تبرئ الأكمه و الأبرص و تفعل وتفعل , فقال الغلام : إني لا
أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالي , فأمر الملك بتعذبيه فعذبوه حتي دل علي الراهب
، فأحضر الراهب وقيل له : ارجع عن دينك , فأبي الراهب ذلك و جئ بمشار ووضع علي
مفرق رأسه ثم نشر فوقع نصفين , ثم أحضر جليس الملك وقيل له : أرجع عن دينك فأبي ,
ففعل به كما فعل بالراهب و ثم جي بغلام وقال له : ارجع عن دينك , فأبي الغلام ,
فأمر الملك بأخذ الغلام إلي قمة الجبل و تخييره هناك , فإما أن يترك دينة أو يرمي
من قمة الجبل .
فأخذ
الجنود الغلام , وصعدوا به الجبل , فدعي الفتي ربه : اللهم اكفينهم بما شئت , فاهتز
الجبل و سقط الجنود , ورجع الغلام يمشي إلي الملك , فقال الملك أين من كان معك ؟
فقال: كفانيهم الله تعالي , فأمر الملك الجنود بحمل الغلام في السفينة والذهاب به
لوسط البحر ثم تخيروه هناك أن يرجع عن دينه أو إلقاؤه في البحر .
فذهبوه
به فدعي الله اللهم أكفينهم بما شئت , فانقلبت السفينة وغرق من كان عليها إلا
الغلام , ثم رجع إلي الملك فسأله الملك بإستغراب : أين من كان معك ؟ فأجاب الغلام
كفانيهم الله تعالي , ثم قال للملك إن لن تستطيع قتلي حتي تفعل ما أمرك به , فقال
الملك ما هو ؟ فقال الفتي : أن تجمع الناس في مكان واحد و تصلبي علي جذع , ثم تأخذ
سهم من كنانتي , و تضع السهم في قوس , وتقول بسم الله رب الغالم , ثم أرمني , فإن
فعلت ذلك قتلتني , استبشر الملك بهذا الأمر
، فأمر علي الفور بجمع الناس , وصلب الفتي أمامهم , ثم أخذ سهما من كنانته
, ووضع السهم في القوس وقال بسم رب الغلام , ثم رماه فصابه فقتله .
فصرخ الناس : أمنا برب الغلام فهرع
أصحاب الملك وقالوا : أرايت ما كنت تخشاه , لقد أمن الناس .
فأمر
الملك بحفر شق في الأرض , وإشعال النار فيها ثم أمر حنوده , بتخير الناس ، فإما
الرجوع عن الإيمان , أو إلقائهم في النار , ففعل الجنود ذلك , حتي جاء دو ر امرأة
ومعها صبي لها , فخافت أن ترمي في النار , فألهم الله الصبي أن يقول لها يا أماه
اصبري فإنك علي الحق .