الجغرافيا الحيوية
مقدمة
تهتم الجغرافيا بوصف وتفسير الظواهر الموجودة على سطح الكرة الأرضية. يشكل الغطاء النباتي إحدى هذه الظواهر التي تجلب اهتمام الجغرافي، إن أي دراسة جغرافية للغطاء النباتي، لابد أن تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل أساسية هي:
1 ـ وصف الغطاء النباتي: يهدف وصف الغطاء النباتي إلى تشخيص التشكيلات النباتية الطبيعية الكبرى التي تميز مختلف مناطق سطح الكرة الأرضية.
2 ـ التوقيع الجغرافي للتشكيلات النباتية الكبرى: يهدف هذا التوقيع إلى التعرف على مكان تواجد هذه التشكيلات الكبرى. يتم هذا عن طريق خرائط خاصة بالغطاء النباتي.
3 ـ تفسير التوزيع الجغرافي للغطاء النباتي: إن تفسير التوزيع الجغرافي للغطاء النباتي يمر عن طريق دراسة عاملين أساسيين، العوامل الجغرافية (المناخ، والتربة، والتدخلات البشرية...) والعامل التاريخي.
في هذا الجزء سنتعرض إلى مجموعة من المواضيع لها علاقة وطيدة بدراسة الغطاء النباتي، تتمحور الدراسة حول وصف التشكيلات النباتية الكبرى وتوزيعها والعوامل المساعدة على نمو وانتشار بعض الأنواع النباتية.
سنحاول أن نتعرض بالدراسة لنباتات منطقة البحر الأبيض المتوسط كل ذلك بعد تعريف هذا العلم، ومجال دراسته وكذا الطرق التي يستعملها.
مدخل إلى الجغرافيا الحيوية
تعتبر الجغرافيا الحيوية من فروع الجغرافيا الطبيعية، وهي من العلوم التي تطورت في القرن العشرين. كما تعتبر دراسة النباتات؛ من حيث توزيعها، وأشكالها، وظروف نموها، ذات أهمية بالغة على مختلف الجوانب؛ المعرفي، الاقتصادي، العلمي...الخ. مرت الجغرافيا الحيوية كغيرها من العلوم، بعدة مراحل، نحاول أن نقدم نبذة مختصرة عنها.
تعريف الجغرافيا الحيوية :
هي فرع من فروع الجغرافيا، تهتم بدراسة الغلاف الحيوي، يتكون هذا الغلاف الحيوي من مجموع الكائنات الحية وهي: الإنسان، والحيوان، والنبات.
فهي تحاول وصف ودراسة هذه الكائنات الحية، وتهدف من وراء ذلك إلى تفسير توزيعها.
كانت الجغرافيا الحيوية تهتم في السابق، بهذه الأنواع، غير أن الإنسان أصبح مجالا لدراسة العلوم الطبية، أما الحيوان، فتدرسه علوم البيطرة. ومن ثم أصبحت الجغرافيا الحيوية تهتم، منذ أوائل القرن العشرين، بدراسة الغطاء النباتي فقط.
اهتمت الجغرافيا الحيوية عند ذاك، بموضوعين: جغرافية النبات، وجغرافية الحيوان.
* أما جغرافية النبات، فهي تهتم بدراسة التجمعات النباتية.
* وأما جغرافية الحيوان، فتدرس التجمعات الحيوانية.
يستعمل هذين الفرعين من الجغرافيا الحيوية، في دراساتهم، أساليب وطرق إحصائية ميدانية، لها علاقة بمجال اهتمام كل منهما.
بعد ذلك، أصبحت جغرافية النبات تهتم بمجالين أساسيين هما: البيئة والنبات.
* علم البيئة: ويدرس مختلف العلاقات التي تربط الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه.
* علم اجتماع النبات: ويهتم بتحديد مساحات تواجد الأصناف النباتية.
أما الاتجاه العصري للجغرافيا الحيوية، فيركز على دراسة التجمعات النباتية، وينكب هذا الاهتمام حول دراسة هذه التجمعات، ومحاولة تفسيرها ودراسة العلاقة التي تربط هذه التجمعات النباتية بالوسط الطبيعي والبشري الذي تعيش فيه.
تعتمد الجغرافيا الحيوية في دراساتها للتجمعات النباتية، على الخرائط وعلى العمل الميداني؛ فالخرائط تساعد الدارس على:
* التعرف على مجالات تواجد التجمعات النباتية.
* التعرف على أنواع التشكيلات النباتية.
* المساحات التي تشغلها هذه التشكيلات.
* تطور هذه التجمعات النباتية.
أما العمل الميداني، فيعتبر مكملا ومدققا لما هو على الخرائط، ويمكن الدارس من:
* التأكد من المعلومات الموجودة على الخريطة وتحديثها.
* التعرف بدقة، على الأنواع السائدة.
يتم هذا العمل الميداني بطريقتين متكاملتين:
* الأولى: مسح شامل لميدان الدراسة، عادة ما يصطدم الدارس، في هذه الحالة، باتساع مجال الدراسة وعليه، استحالة عملية المسح الشامل.
* الثانية: وهي طريقة المقاطع، يختار الباحث مقطعا أو عدة مقاطع تعبر تعبيرا صادقا عن المجال المدروس، تستند هذه المقاطع على نظيراتها الطبوغرافية، يستكمل الباحث المعلومات الخاصة بالغطاء النباتي بتمثيلها على هذه المقاطع، يمكن أن يضيف إليها المعطيات الخاصة بالمناخ والتربة، لعلاقتهما بالغطاء النباتي.
التصنيفات النباتية
قبل البدء في الدراسة، يجب توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالجغرافيا الحيوية.
إن التعرف على هذه المفاهيم وفهم معناها يسهل دراسة الغطاء النباتي، إن أهم هذه المفاهيم تتعلق بالتصنيفات النباتية. نتعرض فيما يأتي إلى تصنيفين: التصنيف التنظيمي، والتصنيف الشكلي للنباتات.
التصنيف التنظيمي للنباتات :
يقصد بهذا التصنيف كيفية ترتيب النباتات وفقا لهويتها، تتسلسل النباتات من النوع إلى الجنس إلى التجمع، فالنوع هو الوحدة الأولى في التصنيفات النباتية، أما الجنس فهو عبارة عن مجموعة من الأنواع، تكون مجموعة من الأجناس العائلة. تتجمع مجموعة من العائلات في رتبة، وتكون مجموعة من الرتب ما يعرف بالقسم أو التجمع.
* النوع : وهو الوحدة النوعية المستعملة في ترتيب النباتات؛ فالنباتات التي تنتمي إلى نفس النوع لها نفس الخصائص الوظيفية. تتميز الأنواع النباتية بعد الثبات والاستقرار على المستوى الفيسيولوجي، بحيث يمكن أن تتولد عن هذا نوع معين إلى عدة أصناف. ينتج هذا التغير عن تحولات وراثية، قد تكون مفاجئة أو متدرجة، تمس جينات وصبغيات هذه الأنواع. يمكن بمرور الزمن، أن تشكل هذه الأصناف أنواعا جديدة، يبلغ عدد هذه الأنواع النباتية حوالي 265 000 نوعا.
* الجنس: يتكون الجنس من عدة أنواع، تتجمع عدة أجناس في عائلات، نذكر منها النجليات، المركبات، الزنبقيات...الخ. تكون مجموعة من العائلات ما يعرف بالرتبة كعديم التوجيات، تتجمع مجموعة من الرتب لتكون ما يسمى بالتجمع.
* التجمع: يتكون الغطاء النباتي من خمس تجمعات أساسية هي:
الوشوم : وهي عبارة عن نباتات بسيطة، أحادية الخلية كالطحالب. تكون هذه الوشوم بقع ملونة (غالبا ما تكون هذه البقع خضراء اللون) في الأمكنة الرطبة.
المشريات : وهي نباتا شبيهة بالأولى، فهي لا أوراق لها، ولا ساق ولا جذور كالحزاز.
الطحلبيات : وهي نباتات لها ساق وأوراق، لكنها لا تملك جذورا ولا أزهارا، كطحلب المناقع.
عديمات الزهور : وهي نباتات لها ساق وأوراق وجذور، لكن ليس لها أزهارا كالسرخس.
باديات الزهور : وهي نباتات رفيعة المستوى، أي أنها لها ساق وأوراق وجذور وأزهار، تتكون باديات الزهور من أشجار وشجيرات.
التصنيف الشكلي للنباتات :
يهتم هذا التصنيف بشكل النبات ومدى تأقلمها مع الفصل القاسي، قسمت النباتات بناءا على هذا التصنيف، إلى ستة أشكال (انظر الشكل رقم:)
* المظهريات: وهي عبارة عن نباتات تبقى بادية على سطح الأرض، مهما كان الفصل يزيد علوها عن ربع متر. يمكن أن تتعدى هذا العلو؛ فبعضها متوسطة العلو (2-7 متر)، أما البعض الآخر فيتعدى هذا العلو بكثير، كما أنها تتميز بكونها نباتات معمرة جدا؛ ففي أمريكا اللاّتينية وصل علو بعض الشجار 142 مترا ويزيد عمرها عن 2000 سنة، ومن أشهر هذه الأنواع أشجار الكاليتوس.
* الحقليات: وهي نباتات لا يتعدى علوها ربع متر. لها قابلية كبيرة في التأقلم مع الوسط الذي تعيش فيه، فهي تنمو على شكل ملموم لتحتمي من الرياح وانخفاض درجة الحرارة، ومن أمثلة ذلك الزعتر، والخلنج، والشيح.
* النصف مخفيات: وهي نباتات تخفي نصفها في الفصل القاسي، تبقى براعمها وجزؤها العلوي قريبين من السطح؛ فبراعمها تبقى على عمق بسيط من السطح، في حين أن جزءها العلوي لا يبتعد عنه. تنمو هذه النباتات، وتزدهر في الفصل المساعد.
* المخفيات: لا ترى هذه النباتات في الفصل القاسي، تبقى براعمها مختفية في التربة طيلة هذا الفصل، بمجرد تحسّن الفصل، تنمو هذه النباتات بسرعة فائقة مستعملة ما خزّنته في أدرانها، بعد انتهاء الدورة الحيوية، يجف الجزء العلوي لهذه النباتات، ثم يختفي بعد ذلك.
* البذريات: وهي نباتات حولية، تبقى بذورها مختفية داخل التربة، تتميز هذه البذور بمقاومة شديدة للبرد والجفاف، تمر هذه النباتات بدورة حيوية كاملة، فبعد الاختفاء (أثناء الفصل القاسي)، تنمو وتزهر وتثمر في الفصل الموافق، تنتج هذه النباتات بذورا تضمن استمرارها لاحقا، تموت هذه النباتات بعد هذه العملية.
* المتسلقات: و هي نباتات لا جذور لها، فهي تنمو فوق نباتات أخرى، خاصة جذوع الأشجار، تتغذى هذه النباتات دون استعمال هذه الأشجار، إذن فهي ليست طفيليات (انظر الشكل رقم 18).
تتوزع هذه الأشكال على سطح الكرة الأرضية، وفقا للنسب المئوية الآتية:
* المظهريات: 46 %.
* الحقليات: 9 %.
* النصف مخفيات: 26 %
* المخفيات: 6 %.
* البذريات: 13 %
التوزيع الجغرافي للنباتات
إن التوزيع الجغرافي لمختلف النباتات يفسر بعاملين أساسيين؛ الخصائص المجالية لمساحة النوع (المناخ، التربة، التأثيرات البشرية) وكذا بما يعرف بتاريخ الغطاء النباتي.
تعيش النباتات، التي تنتمي إلى نفس النوع، في مجال معين، يسمى هذا المجال بمساحة الانتشار النوعي . تتميز هذه المساحة، بخصائص حيوية (ماء، حرارة، ضوء، تربة) تتلاءم وحاجيات النوع النباتي التي تتواجد به، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تنتشر النباتات وتنتقل من مساحة إلى أخرى؟ للإجابة عن هذا السؤال نحاول أن نتعرض إلى عوامل انتشار النباتات.
عوامل انتشار النباتات :
تنتشر النباتات من مجال إلى مجال آخر بواسطة عاملين: العامل الطبيعي، والعامل الحيواني والبشري.
العامل الطبيعي كوسيلة انتشار :
تلعب العوامل الطبيعية دورا أساسيا في انتشار النباتات من مساحة إلى أخرى، فتعتبر الرياح والمياه أهم العوامل المساعدة على انتشار النباتات.
* الرياح: تعد الرياح عاملا أساسي يساعد على انتشار النباتات؛ فالرياح لها قدرة كبيرة على نقل البذور والبوغيات النباتي. إن المسافة التي تقطعها هذه البذور تتناسب طردا مع سرعة الرياح؛ فكلما كانت الرياح قوية، كلما كانت المسافة أطول. أما إذا كانت هذه الرياح ضعيفة فالمسافة المقطوعة تكون أقصر، تساعد نوعية هذه البذور والبوغيات في عملية النقل. وتختلف هذه البذور والبوغيات عن بعضها البعض؛ فمنها المجنحة (ذات أجنحة)، ومنها التي تشبه الريش، وهي خفيفة، ممّا يساعد على نقلها. أما البذور الثقيلة نسبيا، فيمكن أن تنتقل من مكان إلى آخر بمساعدة الانحدار الطبوغرافي، خاصة في المناطق الجبلية.
تحافظ هذه البذور والبوغيات على خصائصها الإنباتية؛ فعند وصول هذه الكائنات إلى مكان ما، فإن عملية الإنبات تتوقف على الشروط التي يوفرها هذا المحل الجديد؛ فإذا كانت التربة غير ملائمة، أو الأمطار غير كافية، أو الحرارة غير فعالة، فإن عملية النقل عن طريق الرياح تكون عديمة الفائدة نسبيا.
* المياه: تعتبر المياه عاملا ناقلا لمختلف البذور النباتية؛ فالأمطار عند سقوطها، قد تسقط هذه البذور وكذا مختلف الثمار، وعند حدوث عملية السيلان أو الجريان، تنقل هذه المياه مختلف البذور. غير أن عملية النقل في هذه الحالة، تكون محدودة مجاليا؛ فانتقال المياه يكون مقارنة بالرياح، على مسافات محدودة. غير أن هناك خطرا يهدد البذور المنقولة عن طريق المياه، هو التعفن؛ فإذا كانت لهذه البذور قدرة على الطفو، وتتمتع بغطاء كتيم، فيمكن أن تجتاز هذه الخطورة، أما إذا تسربت المياه إلى هذه البذور، فسيزيد وزنها، ومن ثم تغطس في المياه، ويصيبها العفن.
عند توقف المياه عن الجريان، تستقر هذه البذور، وتتوقف قدرتها الإنباتية على مدى توفر العوامل المساعدة على ذلك في هذا الوسط الجديد؛ فقلة الأمطار، أو عدم ملاءمة نوعية التربة، أو عدم فعالية الحرارة قد تقلل أو تجعل قدرة الإنبات لهذه البذور منعدمة.
العامل البشري والحيواني كوسيلة انتشار :
يلعب كل من الإنسان والحيوان دورا مهما في عملية انتشار النباتات من مساحة إلى أخرى؛ فالإنسان على مر العصور، حاول أن ينقل النباتات إلى بلده، غير أنه اهتم أكثر بنقل النبات الطبيعي. يفسر هذا بأغراض اقتصادية.
أما الحيوانات، فقد لعبت دورا في غاية الأهمية في نقل النباتات؛ فالطيور والحيوانات المهاجرة ساهمت في نقل النباتات، تعود هذه الأهمية إلى العدد الضخم للحيوانات من جهة، وانتقالها الدائم من جهة ثانية؛ فهذه الطيور والحيوانات تحمل في أحشائها ثمار وبذور تلفظها في المناطق التي تعبرها، وممّا لا شك فيه، أن المسافات التي تقطعها الطيور تكون أطول من تلك التي تقطعها الحيوانات الأخرى.
فالحيوانات، وخاصة البرية منها، لها قدرة على ابتلاع كميات كبيرة من الأعشاب، التي قد تحتوي على بذور. إن عملية التبرز الحيواني غير مرتبطة بمكان معين، فالحيوان قد يتبرز في أي مكان. ومن ثم، فعملية انتقال البذور تشمل كل الأمكنة.
كما أن دور هذه الحيوانات، خاصة الضخمة منها كالفيلة والأبقار، لا يتوقف فقط عند عملية النقل، وإنما يتعداه إلى عملية دك البذور في التربة؛ فعند مرور هذه الحيوانات فإن أقدامها ستطأ، لا محالة، بعض البذور، فتقوم بدكها، هذه العملية تشبه إلى حد بعيد، عملية الغرس.
نلاحظ ممّا سبق، أن انتقال البذور من مكان إلى آخر قد يكون عن طريق العوامل الطبيعية والبشرية، غير أن القدرة على الإنبات تتوقف على مدى توفر الشروط البيئية(الضوء، الحرارة،المياه،الرياح والتربة).
النبات وعناصر البيئة
تحتاج النباتات لانتشارها إلى مجموعة من العوامل المناخية وكذا إلى تربة ملائمة.
تسمى العوامل المناخية بالعوامل الخارجية، أما عوامل التربة فتسمى بالعوامل الداخلية.
فعوامل المناخ، تتحكم بشكل كبير جدا في انتشار ونمو الغطاء النباتي، ويمكن إيجاز هذه العوامل في: الحرارة، والأمطار (المياه)، والضوء، والرياح.
يلعب كل عامل من هذه العوامل دورا مهما في نمو وانتشار الغطاء النباتي، وتجدر بنا الإشارة، إلى أن معرفة دور كل عامل من هذه العوامل، تستلزم دراسة خاصة لما يعرف بالمناخ المحلي. تساعد هذه الدراسة، على التعرف الدقيق على الوسط المحلي وكذا العلاقات الموجودة بين مختلف العناصر المكونة له، نستعرض فيما يأتي، دور كل منها.
الحرارة :
تعتبر الحرارة عاملا أساسيا لعملتي التمثيل اليخضوري والنتح، تحتاج النباتات، لنموها، إلى درجة حرارة معينة، لكل نوع من الأنواع النباتية أوج حراري، أي أقصى حرارة يتأقلم معها هذا النوع؛ فمن النبات من يتطلب 20 ° م مثل النخيل، ومنها ما يكتفي ب 15 ° م كالمخروطيات، ومنها ما لا يتطلب سوى 5 ° م فقط.
نشير إلى أن هذه الحدود عموما، واحتياج النبات إلى الطاقة الحرارية يجب أن تتوزع على مختلف مراحل النمو (الإزهار، التوريق، نضج الثمار)، كما تعتبر الحرارة أحد العوامل المحددة لدائرة انتشار نوع من الأنواع النباتية.
تتأثر بعض النباتات بالفارق الحراري اليومي، وعلى العكس من ذلك، فبعض الأنواع لا تتأثر بهذا التغير.
كما أن هناك أنواعا لا تتأثر بالفارق الحراري الفصلي. وعلى عكس من ذلك، فهناك نباتات تتأثر كثيرا بهذا الفارق الفصلي، لذا فهي تدخل في فترة سبات.
المياه :
إن المياه الممتصة من التربة، تستعمل لتغذية النبات عن طريق الجذور، غير أن احتياجات النباتات لهذه المادة الحيوية، تختلف من نوع إلى آخر، تقسم النباتات بالنظر إلى هذه الاحتياجات، إلى ستـة أنواع:
1 ـ نباتات أليفة الماء: هي نباتات تعيش طيلة فترة نموها أو جزء منها في الماء، فهي نباتات تتأقلم وكثرة الماء.
2 ـ نباتات أليفة الرطوبة: هي نباتات تتأقلم مع ارتفاع الرطوبة الجوية، تمتاز هذه النباتات بأوراق عريضة، ممّا يساعدها على نتح كميات مهمة من الماء، ومن أمثلة ذلك شجرة الموز.
3 ـ نباتات معتدلة الحاجة: وهي نباتات لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، فهي تكتفي بكميات معتدلة من هذه المادة الحيوية.
4 ـ نباتات أليفة الجفاف: وهي نباتات تتأقلم مع قلة الماء، تمتاز بارتفاع قدرتها على التأقلم مع الجفاف.
5 ـ نباتات أليفة التغير: وهي نباتات تتأقلم مع تداول الفصول، قد تمر بفصل جاف ثم بفصل رطب.
6 ـ نباتات أليفة الملوحة: وهي نبات تستطيع أن تعيش في مناطق ترتفع فيها نسبة الملح، كالسباخ والشطوط.
الضوء :
يمثل الضوء عنصرا أساسيا في عملية نمو النباتات، فهو يتحكم في عملية التمثيل اليخضوري (الكلوروفيل)، إن نقص هذه المادة الحيوية، يؤدي إلى نقص عملية التمثيل اليخضوري، مما يكون سببا في نقص نمو الغطاء النباتي، وعدم إزهاره.
أما زيادة الضوء عن حاجة هذه النباتات، فإنها تؤدي إلى إتلاف المادة الخضراء، غير أن هذه الزيادة، يمكن أن تعوض النقص في الطاقة الحرارية، كما هو الحال في مناطق العروض العليا من النصف الشمالي للكرة الأرضية.
الرياح :
تؤثر الرياح إيجابا وسلبا، على الغطاء النباتي، يتجسد التأثير السلبي في النقاط الآتية:
* كسر الأغصان وقلع الجذور.
*ارتفاع عملية النتح.
* تعطيل عملية النمو والتطور، لأن مسامات هذه النباتات، تنغلق عندما تزيد سرعة الرياح عن 2 متر / ثانية.
* اعوجاج جذوع الأشجار سيّما في المرتفعات.
أما التأثير الإيجابي، والذي يتزامن مع ضعف قوة الرياح، فيتمثل فيما يأتي:
* نقل ونشر البذور (حتى في حالة قوة الرياح).
* تسهيل عملية تلقيح النباتات.
* تجديد الهواء المحيط بهذه النباتات.
يلاحظ مما سبق، أن للرياح تأثير على النباتات، تتوقف نوعية هذا التأثير على قوة هذه الرياح؛ فكلما زادت قوتها تجلى تأثيرها السلبي، أما تأثيرها السلبي فيكمن في ضعفها.
التربة :
تعتبر التربة من أهم العوامل التي تتحكم في عملية نمو وتطور، تنوع وانتشار النباتات، فبالنظر إلى أهميته، سنخصص حيزا خاصا لهذا الموضوع
التربة
يرتبط التواجد النباتي بالتربة؛ فالتربة هي مكان نمو وتطور الغطاء النباتي، فالعلاقة بينهما هي علاقة جذرية، وتعتبر دراسة التربة من أهم المواضيع التي تهتم بها الجغرافيا الحيوية، غير أنها لا تدرس التربة، من وجهة علم التربة، وإنما تبحث عن مدى ملاءمة تربة ما لنوع من الأنواع النباتية.
تعريف التربة :
هي الجزء العلوي، الذي يغطي قشرة الكرة الأرضية، وهي ذات سمك متباين من مكان إلى آخر؛ قد تختفي التربة من بعض الأماكن بفعل عوامل الحت والتعرية، كما أنها مزدوجة التكوين؛ فهي تتكون من مواد عضوية ومواد معدنية.
فالمواد العضوية ناتجة عن تحلل الكائنات الحية (الغطاء النباتي أساسا)، أما المواد المعدنية، فهي تنتج عن تفتت الصخر الأم.
تتم العمليتان تحث تأثير العوامل المناخية.
عوامل نشأة التربة :
تساهم عدة عوامل في نشأة التربة، ويفرق العلماء بين العوامل الأساسية (الصخر الأم، العوامل المناخية والعامل الزمني)، والعوامل الثانوية (طبيعة السطح، العوامل البشرية والعامل الحيواني)، غير أننا في هذا المقام، لا نفرق بين هذه العوامل فحسب، بل نحاول أن نبيّن دور كل عامل في تكون التربة.
الصخر الأم :
تتأثر الصخور، (خاصة منها الصخور اللينة) بمختلف العوامل، سواء أكانت العوامل الداخلية (الحركات الباطنية) أو العوامل الخارجية (المناخ)؛ إذا ما تعرضت الصخور إلى حركات باطنية أو تأثرت بالعوامل المناخية، فإنها تتفتت. هذا التفتت يساهم في تكوين الجانب المعدني للصخر، فكل تربة من جنس هذا الصخر المتفتت؛ فالصخور الكلسية تعطينا ترب كلسية، والرمل ينتج عنه ترب رملية...الخ. غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة، لذا يجب أن نتكلم عن الترب الأصلية والترب المنقولة.
* فالترب الأصلية: هي الموافقة لجنس الصخر الذي نتجت عنه، أي أنها لم تنقل بفعل عوامل النقل (الرياح، الماء).
* أما الترب المنقولة: فهي التي تعرضت إلى عملية نقل ثم ترسبت في مكان غير الذي نشأت فيه.
العوامل المناخية :
تلعب العوامل المناخية دورا مهما في عملية نشأة التربة، يظهر هذا الدور من خلال تأثير كل من الأمطار والحرارة والرياح على عملية نشأة التربة.
* الأمطار: تمتص التربة جزءا من الأمطار التي تسقط على سطح الأرض، تتوقف هذه العملية (الامتصاص) على عدة عوامل منها: نفاذية التربة، نمط وزمن سقوط الأمطار، وطبيعة السطح.
- نفاذية التربة: تتوفر التربة على فراغات بينية، تزداد هذه الفراغات أو تقل بالنظر إلى التركيب الحبيبي للتربة؛ فكلما كانت الحبيبات المكونة للتربة خشنة، كلما زادت هذه الفراغات البينية. أما إذا كانت حبيبات التربة دقيقة، فإن الفراغات البينية تقل.
- نمط وزمن سقوط الأمطار: إذا سقطت الأمطار ببطء، فالتربة يمكنها امتصاص جزء منها، أما إذا سقطت هذه الأمطار بشدة، فيمكن لعملية الامتصاص أن تنعدم.
أما زمن السقوط، فيؤثر أيضا في عملية الامتصاص؛ فإذا كانت الأمطار ربيعية، فالتربة تكون مشبعة بأمطار فصل الشتاء، فعملية الامتصاص ستكون ضعيفة جدا، أما إذا كانت الأمطار خريفية، فالتربة تكون جافة ومفككة، بعد جفاف فصل الصيف، وبالتالي فعملية الامتصاص، ستكون نشطة.
يتمثل دور الأمطار في نشأة التربة، في العمليات التي تحدث بعد سقوط الأمطار، وهي على نوعين:
1- إذا نفذت الأمطار في التربة تبدأ عملية تفاعل الماء مع عناصر التربة، هذا التفاعل يمكن أن يكون ميكانيكيا أو كيمائيا؛ فالعامل الميكانيكي يتمثل في التمدد والتجمد (تحت تأثير درجة الحرارة)، فالتمدد يجعل الجزئيات المكونة للتربة مفككة، مما يسهل من عملية تحركها ونقلها. أما التجمد (بعد انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي) فيؤدي إلى انفجار وتفتت التربة. وأما التأثير الكيماوي فيحدث تغيرات في تركيب التربة، عن طريق اتحاد الماء مع الجزئيات المعدنية، وهذا ما يعرف بالتميؤ. ينتج عن ذلك معادن جديدة، كما يمكن للماء أن يذيب بعض العناصر الموجودة في التربة مما يزيد من الفراغات البينية (عملية الإذابة).
تساهم الأمطار في نقل الحبيبات العالقة على السطح، كالأملاح إلى الأسفل (عن طريق التسرب والنفاذية). تعود هذه العوالق الصعود إلى السطح عن طريق الخاصية الشعرية. تحدث هذه العملية عند ارتفاع درجة الحرارة، فتبدأ المياه (الموجودة بالتربة) بالصعود.
2- إذا بدأت عملية الجريان، نتيجة لتشبع التربة أو لشدة الأمطار، فإن الأمطار تصبح عاملا ناقلا لذرات التربة، تتوقف أحجام الأجسام المنقولة على سرعة الجريان، تنقل المياه مختلف مكونات التربة على مسافات يمكن أن تكون كبيرة، لترسبها في مناطق معينة. ينتج عن هذا الترسب، ترب تسمى بالترب المنقولة.
الحرارة :
يتمثل دور الحرارة في عملية نشأة التربة، من خلال الفوارق الحرارية اليومية، فهذه القيم تجعل المواد المعدنية المكونة للتربة تعيش في ظرف زمني قصير جدا، عمليتي التمدد والتقلص. مما يؤدي بها إلى التفكك والتفتت يتوقف هذا التأثير على لون التربة وكذا تركيبها المعدني. إن غنى أي تربة بهذه المواد المعدنية، سينشّط بها عمليتي التمدد والتقلص، في حين أن التربة التي يميل لونها إلى السواد أكثر امتصاصا للطاقة الحرارية من نظيرتها، التي يميل لونها إلى البياض.
الرياح :
تؤثر الرياح في عملية نشأة التربة؛ فالرياح تلعب دورا مزدوجا، فهي عامل ناقل من جهة، ومرسب من جهة أخرى؛ فالرياح تنقل حبيبات التربة إلى مسافات بعيدة، ونشير هنا إلى عملية النقل تكون انتقائية، بمعنى أن الرياح لا تنقل، في الغالب، سوى الحبيبات الدقيقة.
الزمن :
تتطلب عملية نشأة التربة زمنا طويلا جدا، يقدر هذا الزمن بمئات السنين، بل بآلاف السنين بالنسبة لبعض الأنواع؛ فالعامل الزمني يتدخل في نوعية التربة (من حيث نضجها) وكذا في سمكها.
عوامل السطح :
تتدخل عوامل السطح في تشكيل التربة، غير أن أهم عامل من هذه العوامل هو الانحدار؛ فهو يؤثر تأثيرا كبيرا على سمك التربة؛ فالمناطق الشديدة الانحدار تساعد على جرف حبيبات التربة، وذلك عن طريق الجاذبية الأرضية.
لا يترك الانحدار الفرصة (من الناحية الزمنية) للتربة لكي تتكون، إن المناطق العالية والمنحدرة يقل فيها سمك التربة أو تنعدم تماما.
كما أن العوامل الأخرى للسطح، كالارتفاع، لها دورا في نشأة التربة. نعلم أن الارتفاع يؤثر في العوامل المناخية، والتي بدورها لها دخل في نشأة التربة؛ فالمناطق المرتفعة تتميز بانخفاض درجة الحرارة، وبالتالي فهي تساعد على تنشيط الحركات الميكانيكية (التمدد والتجمد). أما كثرة الأمطار، في هذه المناطق المرتفعة، فإنها ستنشط عملية الجريان، مما يؤدي إلى جرف التربة.
العوامل الحيوية :
تتمثل هذه العوامل في الإنسان والحيوان والنبات. تعيش كل هذه الكائنات، على سطح التربة أو ضمنها. إن استعمالها للتربة سينتج عنه حتما، تأثيرا عليها. ونحاول فيما يأتي، أن نتعرض إلى كل عامل منها.
العامل البشري :
يلعب الإنسان دورا مهما في نشأة التربة؛ حيث إن التربة هي مجال لمعظم أنشطة الإنسان، فالإنسان وهو يمارس هذه النشاطات، يسيء في كثير من الأحيان إلى التربة؛ فالتوسع العمراني (على حساب الأراضي الزراعية)، والاستغلال الزراعي (طريقة الحرث...)، والاستغلال الصناعي...لخ، هي أنشطة على حساب عملية نشأة التربة، غير أن تدخل الإنسان يمكن أن يكون إيجابيا؛ فهو يشجّر ويقيم بعض الحواجز التي تساعد على تثبيت التربة...الخ.
العامل الحيواني :
تلعب الحيوانات دورا مهما في نشأة التربة؛ فالديدان، والنمل، والحشرات، والقوارض تعمل على تفتيت التربة (من أجل بناء أماكن عيشها)، فهي تنقل حبيبات التربة من مكان إلى آخر، محدثة بذلك تغيير في تركيب التربة. قد تحدث هذه الحيوانات، أيضا، ثغورا وفراغات تزيد من تسرب المياه. أما الحيوانات التي تعيش على السطح، وخاصة الثقيلة منها، فهي تعمل على دك التربة. مما يقلل من عملية تسرب المياه إلى الأسفل، غير أن هذه الحيوانات تتحول إلى مادة عضوية، وذلك بعد موتها.
العامل النباتي :
يعتبر الغطاء النباتي من العوامل المهمة التي تساهم في نشأة التربة؛ فيمكن القول إن دور النبات إيجابي بالنسبة للتربة؛ فهي تحمي التربة من شدة الحرارة، وتقلل من عملية جرفها، وتزودها بالمادة العضوية، وتفتت الصخور بتعميق جذورها.
نلاحظ مما سبق، أن عملية نشأة التربة، تتأثر بكثير من العوامل. إن كل عامل يؤثر بشكل خاص، غير أننا ننصح، لفهم هذه الآليات، بمحاولة تركيب كل هذه العوامل.
التركيبة الحيوية
تكون عناصر البيئة التي سبقت دراستها، ما يسمى بالنطاق الحيوي؛ فالنطاق الحيوي عبارة عن مساحة من الأرض تساعد على نمو نوع أو مجموعة من الأنواع النباتية. تتميز هذه المساحة بخصائص مناخية وحيوية وبتربة مختلفة عن غيرها؛ فالأمطار، بنمط وبزمن سقوطها. والحرارة، بتغيراتها. والعوامل الحيوية بتدخلاتها. والتربة بمميزاتها تعطي لهذه المساحة هوية خاصة.
حاول بعض العلماء تقييم هذه التركيبية الحيوية، باقتراح مجموعة من المعادلات والقوانين. تهتم هذه الأخيرة بإيجاد علاقات رقمية بين مختلف العوامل. غير أن معظم هذه المعادلات والقوانين تأخذ بعين الاعتبار العوامل المناخية فقط، بل إنها تقتصر على عنصري الأمطار والحرارة.